إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

92162

الجمعة، 30 أغسطس 2019

عن الحركة الأمازيغية


الحركة الثقافية الأمازيغية

تأملات وانطباعات 

بقلم بلقاسم إدير

تعمّدت الإشارة إلى المضاف إليه "الثقافية" كونها المجال الوحيد المتاح والممنوح للتحرك ومباشرة النشاط الأمازيغي الرّمزي منه والفعلي وتفعيله ميدانيا دون الإشارة إلى كلمة "السياسية" رغم ما تحتويه بعض مطالب الحركة من مدلولات تسير أو تتوازى مع سياق معنى ودلالة السياسة وأبعادها البنيوية العمودية منها والأفقية . تبنّي المطالب ذات النغمة السياسية الواضحة والغير المدرجة في جدول عمل الحركة ذاتالعنوان الثقافي ذلك كلّه راجع بالأساس لانعدام أيّ حزب سياسيّ يتبنى البعد السياسي المسكوت عنه للحركة أو لعدم رغبة أطراف جمعويّة أمازيغيّة ونخبه المثقفة في تحديد رأيها في دخول غمار الفعل السيّاسي كمحرّك ذي فاعليّة مباشرة في حصد نتائج ملموسة للمطالب المختلفة التي يرفعها الأمازيغ في كلّ تحركاتهم الميدانية أو من خلال منشوراتهم الورقية أو الرّقمية عبر الصّحف والمواقع الإليكترونية ..فخلال عقود تبنّت الحركة موقف الحامي والمدافع عن بقايا الركام المعرفي والثقافي للموروت الامازيغي الرّمزي كان فعل المطالب الإجتماعيّة متوازيا مع الثقافي، لكنّ العقد الأخير عرف تطوّرا جوهريا في في سيرالحركة الثقافية فقد ظهرت طفرة البوح السياسي ممزوجا بالحقوق الإجتماعية والإقتصادية متجاوزة { ح..ث.م } السقف الثقافي . وبالرغم من أنّ المئات من جمعيات ومنظمات تبنت الطرح نفسه بما فيه العنوان كذلك وقامت بمجهودات جبارة في الميدان وبالرغم من ظهور مِؤسسات إعلامية وثقافية في مستوى مركز الاهتمام مثل قناة تمازيغت والإركام إلاّ أنّ هامش الخسارة يفوق المتوقّع في أجندة مراقبي الحركة الثقافيةالأمازيغية .لسير تجارة بيع السياسي مقابل الثقافي ذرءا للموقف الجزائري المشابه .. فالمسيرات { تاودا } لم تتوقف أبدا .. والوقفات الإحتجاجية لم تحد عن خطّها التصعيدي ، الفايسبوك والتويتر وكل المواقع الإجتماعية التي يمارس فيها النضال الأمازيغي لهبها اليومي متقد وعلى الدوام .. لكنّ الواقع يتحدّث عن هامش ربح يسير في الميدان

إنّ عدم تحديد شبكات الهياكل المشتغلة داخل اطار الحركة الثقافية الأمازيغية وعدم وضوح طبيعة عملها وتحديد آلياته التنفيذية وتشعّب اهتمامات مناضليها الذي يمكن وصفها أحيانا بالمزاجية إضافة إلى عدم وجود زعامة ومركز دعم لوجيستي فكري وتنظيمي مبني على استراتيجية محدّدة المعالم يجعل الحركة الثقافية الأمازيغية رهينة الدّوران في الفراغ بل ويعرض أيضا مكتسباتها وأرقامها النضالية في الميدان إلى تلف تاريخي محسوم فيه . فبالرغم من أنّ كلّ العوامل الجيوتاريخية كانت دائما تلعب لصالح الحركة من حيث قاعدتها الشعبية العريضة الّتي قد توصف بأنها سياديّة تفوق كثافة كلّ القواعد البشرية لكلّ حركات الإحتجاج الدّاخلي بما فيها الحركات الشّعبية المأجورة ، إلاّ أنّ عدم وضوح الرّؤية حتى لدى قيادة الحركة حول من أين نبدأ ؟ وإلى أين نسير ؟ وكيف ؟ ومتى ؟ تجعلُ النّضال داخل الحركة مرهونا للمجهول .. هنا لا ننتقص من جهود القيادات الجمعوية الغيورة على ضرورة سير الحركة في الإتجاه الصّحيح إلا أنّ النيّة لا تكفي في مثل هكذا اشتغال ,, ولا ننسى أيضا أنّ الحركة الثقافية الأمازيغية تشتغل منذ عقود بصفر دعم رسمي وحتى شعبي أيضا إلاّ من مساهمات أعضائها الّتي لا تفي بالغرض .. وهناك أيضا تحدّيات كبيرة لا تعيشها إلاّ الحركة الأمازيغية لوحدها فظاهرة اللاوعي والتمرّس الذي ينتشر على نطاق واسع في مختلف القواعد البشرية وعدم إدراك هذه الأخيرة لطبيعة العمل النضالي الحركي إضافة إلى التلقائية والإرتجالية الذي يتّسم بها المناضل الأمازيغي يجعلان الحركة جسدا برأس ذكيّ لكن بأعضاء غبيّة وساذجة ومعاقة أحيانا إذا جاز لنا أن نعبّر بهكذا وصف .. الحركة الأمازيغية لن تكون شاذة عن كلّ الحركات ذات سقف مطلبي ثقافي اجتماعي وسياسي أحيانا كالحركة اليسارية والحركات اللّيبرالية العولميّة وحتّى الحركات الإسلاماوية النّاشئة مثلا بمختلف مسمّياتها الّتي تختار قواعدها الشّعبية من ذوي قدر معقول من الوعي الذاتي وإلمامي مقبول بكيفية سير الحركة وآليات وطرق اشتغالها .. في حين نجد الحركة الأمازيغية تعتمد التعاطف المبدئي الّذي تتّخذه مبتدأ ومنتهى في أسوإ الأحوال ما يجعلها تمثيلا هرميّا يخرج على قواعد الديمقراطية للحركة الأمازيغيّة الّتي تتبنّاه مبدئيّا ,

فبالرّغم من كلّ ما قد تنعت به ال ح.ث.م من هشاشة بنياتها الأساسية كتنظيم حركيّ احتجاجي إلاّ أنها تعتبر رقما صعبا على التجاوز حين يكون علينا أخذ الإعتبار عيّنات التّطوّر الملموس الّذي شهده الفعل الإحتجاجي السّامي على كلّ أشكال الشّغب المطالبي الذي يخرج عادة عن السّيطرة فالشّكل النّضالي الأمازيغي الّذي تتبنّاه الحركة منذ ظهورها علنا في الساحة المغربية كتوجه فكري ثقافي أوّلا يستمدّ مشروعيّته من التّاريخ والأرض ثمّ كتنظيم حركي لاحقا لم يسجّل عليه أبدا خروجه عن نطاق التّعبير السّلمي الرّاقي كشكل متقدّم من أشكل الإحتجاج الحضاري الّتي تدعّمه المواثيق الدّولية بل رغم التّعنيف الغير المشروع الّذي تتعرّض له كوادره البشرية ومرجعيّته الواضحة من طرف السّلطة ومناوئيها من الحركات التي تسمها بالعنصريّة فإن ال ح, ث, م لم تزغ أبدا عن سلمية التحرّك في الميدان . بل وكانت بياناتها إثر كلّ تعنيف فعلي أو رمزي بيانات هادئة وراشدة ولم تكن لا تحريضية ولا حثت على الردّ بالمثل .. لكن لا يمكن أن ننسى توغّل الرّاديكالية الشّوفينية في مستويات عدّة أسفل القاعدة تعتبر نفسها أحيانا في مستوى إعطاء الرأي بل هناك تيارات داخل النخبة في قمرة القيادة تحاول التّأثير وتجنّد شرائح واسعة من متعاطفي الأمازيغي وليس مناضليهم لإمالة واستمالة ما يمكن من النخبة المستنيرة لجعل الحركة الثقافية الأمازيغية حركة سياسية تتبنى المعارضة الغير الرّسمية في مشروع غير متكافئ مع السّلطة دون أن تدري أنّ واقع الحال وأبجديات أيّ حركة ثورية هادئة يرفض التسرّع وإحراق المراحل ..إذ يجعل التدرّج في إنزال المشروع الحركي من أولويات أولويّاته

تعتبر تيمات التاريخ والأرض واللّغة قرءآن الفجر يتلى آناء اللّيل وأطراف النّهار في كلّ كتابات النّخبة الفكرية الأمازيغيّة وخرجاتهم الإعلاميّة المحتشمة على كلّ حال وهي أيضا منتج استهلاك ماركة مسجّلة في كل تغاريد أمازيغ المواقع الإجتماعيّة وهي قطب الرّحى لكلّ توجّه مطلبيّ احتجاجيّ ومن ثمّ الميزة الوحيدة الّتي تتميّز بها ال ح. ث , م على سائر الحركات الأخرى الّتي يشهدها الميدان المغاربي منذ عقود ..إعادة كتابة التّاريخ لشمال إفريقيا منه تنبثق إعادة النّظر في التعامل مع التراكم المعرفي والثّقافي لشعوب هذه البلدان ومنه أيضا ينبثق عنصر الأرض كمعطى غير قابل لتحريكه إلى غير ما أصله المرتبط بالتّاريخ الموغل في القدم .. لكنّ تيمتا التاريخ والأرض لا شأن لها دون تزكية اللّغة الأم " الأمازيغية الّتي لم تستطع كلّ وسائل وآليات الإقصاء والإستئصال الذّخيل والغازي أن تنال منها رغم كون معظم معجمها الأصلي قد تعرّض فعلا للإختراق . ولكون هذه الثّوابت الثلاثة لا يقبل الحركيون الأمازيغ بما فيهم نخبتهم والقاعدة أيضا لا تفكّر يوما في مجرّد مناقشتها فإن تحديّاتها مع سلطة الواقع القائمة لن تثمر إلا صراعا طويل الأمد وظاهرة جدلية قد تكون عنيفة في مراحل معيّنة لكن لن تنتهي مادام أن الجانبين يعتبران أن التساهل في نظرته للثوابت الثلاث إعلانا عن وفاته بالضّرورة.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اقد يعجبك أيضاً :

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...