إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

92190

الأربعاء، 26 يوليو 2017

الطيورُ لا تتحمّلُ القفصَ .. الجزء 1



كانت المناسبة مواتية للسفر ملء عشقي للتحرر من أعباء المسؤولية ... فقد فشلت فشلا ذريعا في كسب المال الكافي لإدارة أسرة ناجحة وعائلة مكونة من 5 أفراد . قمت بمحاولات جادة للرفع من سقف مستوى عيش أسرتي ، وتعليم أبنائي وكسوتهم واقتناء شقة تليق بمكانتي كشخص مثقف ذي مستوى عال من الثقافة والوعي الضروريين لتكوين صورة واضحة ودقيقة عن كيفية التعامل مع الحياة والأحداث اليومية المتقلبة ، وكيفية كسب رزق حلال ، بطرق مشروعة يقبلها الضميرُ ولا تتنافى مع ما كنت تعلمته ايام الدراسة وفي مختلف مستوياتها..حاولت التوفيق بين ما كنت أراه صائبا ، وبين ما وجدته في الواقع قدرا مقدرا مفروضا ففشلت في ذلك فشلا مدويّاً .. عملت واشتغلت في كل المهن لكن لا شيء استجد . مصاريفي اليومية ترتفع ومذاخيلي تتضاءل شيئا فشيئا ، لتنعدم تماما . بحثت عن طرق أخرى ، كالنصب والاحتيال ، لكن وجدت نفسي غير قادر على الاستمرار فلم أكن في مستوى الشلاهبية والخوايضية الذين يساندهم الحظ عادة فيخرجوا سالمين من كل عملية نصب أو احتيال . في مطعم أكادير بازيلال الذي فتحته بمالي الخاص والحلال وسميته بذلك تيمنا بأصولي السوسية ، و الذي أردت منه أن يكون مشروعا كبيرا بل وتوقعت منه أن يغير مستوى عيشي ويلبي المستوى الأعلى من الشروط الضرورية لحياة كريمة ، توقف وسط الطريق ...البلدية رفضت منحي رخصة الاستمرار في العمل لمجرد أنني لا أعرف أبجديات منح الرشوة ؛ بل ولأنني كمثقف لا يمكنني ذلك .. و تم إغلاق المطعم . فتراكمت علي الديون . ما اضطرني إلى بيع كل اثاث المطعم والمقهى لأداء ما بذمتي الذي يناهز المليونين ... مجيء صهري لزيارة ابنته قبل الإغلاق بأشهر جعلني ارسل معه الأبناء والزوجة إلى تمازيرت ...قلت له : بعد العطلة ساجيء لاصطحابهما ... لم أقل لأحد أنني أغرق وساموت وسيموت مع إغلاق المقهى كل أمالي في مستقبل مغاير . كان كل شيء ينهار في داخلي !.. قاسم عليك أن تفكر في سياسة أخرى ... ! قاسم عليك أن تنفض عنك كل ما قرأته .. عليك أن ترمي قيود الضمير والأخلاق جانبا ... قاسم عليك أن تكون كا لآخرين أو أخبث منهم ... نعم ساتغير اذا أغلق المقهى ساعيد ترتيب الأولويات .وأفتح مطاعم ومقاهي ؟.. بفكرة جديدة ومغامرة ...بل ومقامرة ...سافعل الكثير لنفسي ... وسارى أن كنت استطعت ...لعائلتي ... أيضا .
وحيدا في مقهى لا يرتاده إلا الفاشلون ، الذين يقتلون الفراغ بمحاولاتهم اليائسة لاستئصال صداع واجباتهم اليومية التي لا تنتهي الفاشلون في علاقاتهم بزوجاتهم ، بأبنائهم ، في علاقتهم يأنفسهم هؤلاء هم سكان المقاهي والمقيمون بها صباح مساء .. لكني وجدت نفسي حيدا وأمامي فنجان قهوة وبعض سجائر كازا أخذتها بالتقسيط من النادل .. كنت أفكر في الباب المسدود الذي وصلت إليه مرغما ... فجأة تبين لي أنّ توقعي كان خاطئا ، إبراهيم صاحب مقهى بمدينة صغيرة مجاورة يدخل المقهى ، بداية لم أرغب في الجلوس معه ، لمعرفني به ثرثار من الدرجة الأولى ، لكنه عندما لمحني ، قصدني وأخذ كرسيا مقابلا ، طلب بدوره فنجان قهوة ..ثم بدأنا نتحدث . قال أنه علم بافلاس مشروعي . وأضاف أن هذه ليست نهاية الحكاية ، بل قد تكون بداية جديدة لمرحلة جديدة .! إلى حد الآن إبراهيم لم يجعلني انتبه إليه وأحصرُ اهتمامي في كل ما يقوله إلا بعد أن قال : لدي لك مقترح مشروع ، ولكن لا تستعجل ، هو يبدو صعبا لكن لن يكلفك إلاّ أن تتخذ فيه قرارا صائبا ، وتقرر الخطوات المقبلة . وأعاد : لن يكلفك إلا موافقتك لا مال ولا هم يحزنون .إبراهيم بدأ يستدرجني : انت شاب وسيم وقوي .. مثقف .. وتحب المغامرة .. وامامك مستقبل زاهر ... وامثالك مفقودون في هذه المدينة الصغيرة التافهة ... انت تستطيع فعل الكثير . عندما .. وجدت أن حديثه لا ضفاف له ولا شطئآن ، اوقفته ؛ ثم قلت : إذن انت تقترح علي شيئا .؟ قال نعم بل أشياء ! لكن ليس الآن وليس هنا ، غدا ستزورني في مقهاي بواويزغت وسنناقش التفاصيل... !
قبل إغلاق مطعمي مطعم أكادير بشارع محمد الخامس بشكل نهائي . كنت قد بعت في المزاد العلني والسرّي معاً، معظم اثاث المنزل وحتى ملابس أبنائي وملابس الزوجة في السوق الأسبوعي الخميس بازيلال ؛ وحين لم يكن ذلك كافيا لأداء ديوني كلها ، هرعت لدى صديق لي من تمازبرت كنت أعتبره بمثابة أخ فردني خائبا ملوما مدحورا بل و نهرني مزمجرا في وجهي : حتى لو اقرضتك ؛ من أين ستؤدي لي وكيف ؟. رجوته وتوسلت إليه ..لكنه رفض رفضا قاطعا ، ثم طردني وكان الوقت يقترب من منتصف الليل . لما قلت له أنني لا أملك بيتا أنام فيه حتى الصباح ..أعلق باب بيته في وجهي !...كان الفصل شتاء .برد قارس ينفذ إلى أعمق أعماق العظام ، الثلج يملأ طرقات المدينة الصغيرة . الوحشة والرعب بدءا يدبان في داخلي . كل أصدقائي الذين أعرفهم ...حاولت منهم أن يمدوا لي يد العون ، لكن اداروا ظهورهم لتوسلاتي .! لا أعلم ماذا ارتكبت في حقهم .. أيام كنت عاملا مثلهم كنا نسهر الليالي في لعب الورق وعلى وجبات دسمة كنت أنا من يأت بها من مطعمي قبل إغلاقه من طرف السلطات ... اظلمت الدنيا أمامي وانا أذرع شارع محمد الخامس ..أجوب أزقة دوار الجديد استعطف ؛ لكن لا أحد يريد أن يمد لي يد العون ... في مقهى المسافرين في الشارع الكبير والذي لم يغلق بعد ابوابه طلبت كأس قهوة بعد أن قلت للنادل الذي يعرفني جيدا .. إنني لا احمل معي درهما واحدا ...النادل قال لا عليك خذ ماشئت ..أضاف لي سيجارتبن ماركيز ونصحني عدم تذخين سجائر كازا ... المقهى فارغ إلا من مشردين كانا يجلسان على كرسيين غير بعيدين عني .. وحتى لا أدخل معهما في صراع على تذخبن السيجارتين التي لم احصل عليهما إلا بشق الأنفس ابتلعت كاسي دفعة واحدة وغادرت المقهى بعد أن شكرت للنادل معروفه ...
إلهي إن كنت فعلا موجودا ، أرني ماذا سافعل ؟ وقد أصبحت مشردا بالفعل !.. البرد جد قارس والثلج يتساقط بغزارة ... حتى ملابسي لم تكن كافية لردع شعوري بجمود بدأ يسري في كل مفاصيلي ، الجوع يأكل احشاءي ، الياس يأخذ مني كل مأخذ.! قاسم انت ستموت الآن هنا ، ولا أحد سيعلم بموتك ...لا أحد سيمشي في جنازتك غدا... لا أحد سيبكي لفقدانك ... وقفت في طوار الشارع قرب عمود كهرباء ، عندما استبدت براسي فكرة .... : أن أذهب إلى فاطمة ... فاطمة كانت خادمة عندي عندما كان المطعم في أوج رواجه ... كانت خادمة مطيعة لاوامري ، وكنت بالمقابل اغض الطرف عن بعض أعمالها الاستفزازية التي لا تليق بمكان عمومي ... فاطمة تعمل طباخة ونادلة وتستغل الوضع كي تحصل على مزيد من زبناء الليل ، وتستغل المقهى في إبرام صفقات مع بعض الرواد الميسورين ... إنها مومس من الدرجة كلاص !..لا تضاجع إلا من يقدم الكثير من المال وفي بيتها ... سأذهب وأظن أنها لن تردني خائبا .... ماذا ساخسر ؟ ما بقا عندي ما نخسر . . .!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اقد يعجبك أيضاً :

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...