العلاقة النحوية وتشكيل جملة الحال
يمكن القول أن جملة الحال هى إحدى الجمل الرئيسة التى شكلت سياق النص وتركت يصمتها الدلالية والجمالية على بنية السرد كما أن جملة الحال تمثل لوحة الختام وهى اللوحة التى تكنز حالة الدهشة والتنوير فى سياق هذا النص السردى
- يمكن تحديد سياق جملة الحال فيما يلى
1- متحديا تحذير أمه
2- غير آبهة
3- مضى هاربا
وحين نتأمل السياق الأول لجملة الحال نجد أننا أمام علاقة تقديم وتأخير حيث قام السرد بصياغة جملة الحال عبر تقديم علاقتين لشبه الجملة كما نرى فى السياق التالى
" وقف على حافة النّافذة على علوّ عشر طوابق متحدّيا تحذير أمّه "
حيث نتلقى أولا علاقة شبه الجملة " على حافة النافذة " ثم نتلقى علاقة شبه الجملة التالية " على علو عشرة طوابق " بما يجعلنا أمام حالة من التحفيز والترقب قبل تلقى علاقة الحال التى ستضىء علة هذى الحركة التى يحفزها السرد
- نتلقى علاقة الحال المفردة ( متحديا ) عبر الصيغة الصرفية لاسم الفاعل العامل بما يسمح لعلاقة الحال بأن تنشر ظلها الدلالى على السياق بعدها فنرى اسم الفاعل الحال يمتد وسيعا فى السياق حيث نتلقى كيف يقف اسم الفاعل فى وجه الأم والأب الغاضب بل وحتى استعطافات رجال الإنقاذ ، فى الحقيقة ما كان لعلاقة الحال أن يتمتد وتنداح فى السياق دون أن تكون عبر هذى الصيغة الصرفية بما تكنزه من دلالة القدرة والفعل والتمكن من الموقف والحركة فيه
- حين نتأمل علاقة الفعل الذى صيغ منه اسم الفاعل الحال سنجد أننا أمام علاقة الفعل " تحدى " وهى هنا صيغة صرفية تدل على التكلف أى تكلف الجهد وتعمده ربما هذا يحيلنا إلى علاقة المفتتح ( سقوط مفتعل ) وما يدل عليه من إيحاء بإمكانية تفادى هذا السقوط وربما تفادى ذلك التحدى الذى يدل تكلفه على مكابدة نفسية يعانيها بطل النص ربما لا خلاص لها إلا ان يقبض على جمرة الفعل عبر أقصى انفعال كما نرى فى المشهد الأول ووقوفه متحديا على حافة النافذة
- كما أننا حين نرجع للصيغة الصرفية التى تشكل مادة الحال المفرد ( متحديا ) نجد أننا أمام دلالة أخرى لهذى الصيغة التى تمثلها علاقة الفعل " تحدى " وهى التكرار ، وهذى الدلالة تحيلنا ليس إلى لوحة المفتتح وإنما إلى الختام وعلاقة الحال ( مضى هاربا ) بما يضعنا أمام إيحاء قوى بتكرار التحدى
- ثم ولنتأمل جمالية إفراد الحال فنحن لم نتلق السياق عبر خيارات أخرى لعلاقة الحال أى لم نتلق السياق مثلا ( وقف وهو يتحدى ) أو ( وقف يتحدى ) أو ( وقف فى تحد ) وإنما نتلقى علاقة الحال عبر الحال المفردة بما تحمله دلالة هذا الإفراد من توحد وعزلة
2- ثم ولنتأمل علاقة الحال التالية وهى العلاقة التى تشكل علة التحدى ومشهده فى السياق ، علاقة ( غير آبهة )
- سنلاحظ فى السياق أننا نتلقى الحال معنى عبر علاقة نفى تقوم على علاقة اسم الفاعل أيضا حيث نتلقى لفظة ( آبهة ) ونتلقاها مضافة إلى الحال اللفظى والذى يتمثل فى لفظة غير بينما الحال معنى ما بعد النفى وهى لفظة آبهة
- سنلاحظ أن ذات التكنيك الفنى الذى صاغ علاقة الحال الأولى يتكرر فى السياق الثانى حيث نتلقى علاقة الحال كعلاقة حال مؤخر يسبقها تكثيف السياق عبر تقديم علاقة شبه الجملة كما نرى فى سياق (عندما رآها أسفل العمارة غير آبهة )
- ثم تجى علاقة الحال المفردة ( غير آبهة ) متصلة بعلاقة شبه جملة تحصر دلالة الحال ( غير آبهة بالمشهد ) وهو صياغة فنية تمنح علاقة الحال امتداده الجمالى والدلالى وخصوصيته المرادة داخل حركة المشهد
- يمكن القول أن علاقة الحال ( غير آبهة بالمشهد ) هى العلاقة التى يتعقد عندها السرد ويحتدم صراعه فالعلة الفارقة بين السقوط والرجوع عنه هو أنها تقف غير آبهة وهو ما يعيدنا لجمالية دلالة التكلف والمبالغة التى تدل عليها صيغة علاقة الحال الأولى ( متحديا ) والتى تجىء نتيجة حتمية لما تدفعه إليه هذى الوقفة اللا مبالية فى مشهد مرعب أليم
- لذا يترتب على علاقة الحال هنا تحقيق ذروة الاحتدام والصراع حين تلقى سياق (عندما رآها أسفل العمارة غير آبهة بالمشهد سقط عليها فحطّمها ) حيث نتلقى مفاجأة دلالية بذكاء فنى يعيد إنتاج خبرتنا حول المشهد فالسقوط الذى رأيناه لا يمكن أن يكون كما كنا نظن سقوطا حقيقيا فلا يمكن أن يصوب بطل النص نفسه تجاه بطلة النص فيتردى عليها هى تحديدا فى حال سقوطها من ارتفاع عشرة طوابق
- لذا تمثل علاقة الجملة الماضية ( فحطمها ) والتى تجى كجواب لعلاقة الحال المفردة ( غير آبهة ) تمثل لحظة تنوير أولى فى السياق وتتناغم دهشتها مع دهشتنا نحن كمتلقين من غرابة وقوف بطلة النص غير آبهة ، هذى الغرابة هى التى ربما كانت تمهيدا فنيا لتلقى دهشة السقوط عليها تحديدا وتحطيمها ربما
- وذلك بما يضعنا أمام مشهدية الحلم ويحيلنا لجمالية علاقة الحال الأولى متحديا والتى تدل صيغتها الصرفية لماضيها الذى صيغت منه على التكرار وهو ما يمكن أن يتحقق بيسر مع مشهدية الحلم
3- ثم نتلقى علاقة الحال الأخيرة والتى تمثل علاقة الختام (سقط عليها فحطّمها ، ثمّ قام ، ومضى هاربا ..؟ً
- سنلاحظ أن علاقة جملة الحال تجى مغايرة لعلاقتى الحال السابقتين حيث نتلقى الحال مباشرة دون علائق شبه الجملة ربما لما تلزمه جملة الختام من توتير وتكثيف
- سنلاحظ أننا أيضا كما علاقتى الحال السابقتين أمام علاقة الحال المفردة والتى تدل على حالة التوحد والعزلة الأليمة التى تجعل حالة المكابدة عذابا شخصيا فحتى بطلة النص تقف غير آبهة وكأن مصير البطل لا يعنيها فى شى ، هذى الحالة من الصدمة ربما تناسب علاقة الحال المفدرة وما توحى به من تفرد وعزلة
- سنلاحظ أننا نتلقى علاقة الحال كلحظة تنوير خاتمة وهى علاقة تكنز مفاجأة دلالية جديدة حيث لم يتأذى البطل من سقطته الحرة الأليمة بما يجعلنا أمام تعبير كنائى عن حالة الحلم حيث تفتح علاقة الحال المفرد تفتح الباب وسيعا ليس أمام تلقى مشهدية الحلم كتخييل بل أمام تأويلات عدة أخرى وقراءات متعددة لدلالة الحال
- وختاما يمكن القول أن الزمن الماضى هو الذى ميز كافة علائق الحال حيث جاءت الجملة الفعلية الماضية كمكون جوهرى للحال المفردة ، لكنه يستحيل إلى حالة من الزمن الدائرى مع تلقى علاقة الحال الختامية ( مضى هاربا ) ، كما أن الحال المفردة كانت هى السمة الجلية لتوظيف علاقة الحال ، والملاحظة الأهم أننا أمام توظيف فنى لجملة الحال يحفز التلقى ويمنح التخييل براحا وسيعا وأفقا رحبا للتأويل وإنتاج الرسالة التى يكنزها السرد
السبت، 8 أكتوبر 2011
دراسة نقديّة للأستاذ النّاقد محمد الصّاوي السّيّد حسين للقصّة القصيرة جدّا سقوط مفتعل ... للكاتب بلقاسم إدير
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق